غزة.. مقبرة الصحفيين وصوت الحقيقة المستهدف
إعداد/ الصحفي محمد حسن أحمد
تحولت غزة في أقل من عام إلى أخطر مكان في العالم للصحفيين، واصبحت بوابات المستشفيات لحظات فاصلة بين الحياة والموت ، حيث استشهد 246 صحفيًا منهم، في حصيلة غير مسبوقة في تاريخ الحروب المعاصرة ، وفي هذا التحقيق الاستقصائي كان لنا لقاءات واتصالات مع ضحايا جرائم الاحتلال الإسرائيلي من الصحفيين وعائلاتهم ، ومع ذويهم وزملائهم ومع مختصين ، لنقل شهادات حية لصحفيين فقدوا زملاءهم على الهواء مباشرة أو بعد لحظات من انتهاء بثهم، شهادات تكشف عمق الألم والخوف، وتطرح السؤال الأثقل: هل صار استهداف الصحفيين في غزة سياسة ممنهجة لإسكات الصورة والصوت معًا؟ وهل أصبحت بوابات المستشفيات لحظات بين الحياة والموت ؟
شهادة سلمان بشير مراسل تلفزيون فلسطين
يقول الصحفي سلمان بشير مراسل تلفزيون فلسطين عند بوابة مستشفى ناصر في خان يونس، كان مراسل تلفزيون فلسطين محمد أبو حطب يختتم نوبته الصحفية كعادته، سلّمني الميكروفون مكانه في البث المباشر، ثم غادر عائدًا إلى منزله المزدحم بالحياة، لكن ما هي إلا ساعات قليلة حتى تحوّل اسمه إلى خبر عاجل: استشهد أبو حطب مع أفراد عائلته إثر استهداف منزلهم من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي.
غزة أخطر مكان في العالم الصحفيين
بالنسبة لسلمان بشير، يقول : لم يكن ذلك خبرًا عاديًا ينقله على الهواء، بل صدمة شخصية غيّرت معنى الصحافة في حياته. يقول: "أقسى شعور أن تستلم ميكروفونًا من مراسل حي، ثم يصلك بعد وقت قصير خبر استشهاده مع أسرته… إنها اللحظة التي يتساوى فيها الموت بالحياة." منذ ذلك اليوم، لم يعد الموت احتمالًا يطارد الصحفيين في غزة، بل واقعًا ملازمًا لهم في كل لحظة، سواء في الميدان أو في بيوتهم، لم يعودوا مجرد ناقلين للحدث، بل صاروا جزءًا من الحدث نفسه، أهدافًا مباشرة في حرب لا تفرّق بين حامل الميكروفون أو الكاميرا وبين أي مدني آخر، ويتابع بشير قوله بأن أكثر من مئتين وأربعين صحفيًا فلسطينيًا فقدوا حياتهم منذ بداية العدوان، في حصيلة غير مسبوقة جعلت قطاع غزة أخطر مكان للعمل الصحفي في العالم. ورغم ذلك، يواصل المراسلون عملهم، مدركين أن كل ظهور لهم أمام الكاميرا قد يكون الأخير.
صحافة تتحول إلى شهادة
لم يكن سلمان بشير يتوقع أن يتحول الميكروفون، رمز صوته وعمله، إلى شاهد على أقسى لحظة في حياته. يصف المشهد قائلاً: "أقسى شعور أن تستلم ميكروفونًا من صحفي مراسل حي، يتحول بعد دقائق إلى جثمان مسجّى بجوارك، وأنت على الهواء تعلق على المشهد... إنها قمة الوجع والألم والإحساس بالفقد إلى ما لا نهاية. في تلك اللحظة تصبح الحياة شديدة الرخص، ويتساوى الموت بالحياة."
كان خبر استشهاد زميله محمد أبو حطب بمثابة صاعقة، بل أصعب خبر تلقاه في مسيرته الإعلامية:
"كأنني أحلم... صوته ما زال حيًا في أذني، ويقيني يقول إنه لم يمت بعد." لكن الحلم تحوّل إلى كابوس مستمر، إذ يرى أن استهداف الصحفيين في غزة لم يعد أمرًا عاديًا: "بعد وصول العدد إلى أكثر من مئتين وأربعين صحفيًا قُتلوا على يد جيش الاحتلال، لم يعد الأمر مجرد صدفة. بل هو قمة المنهجية الرامية لإسكات الصوت والصورة، ومعاقبة ناقلهما بالموت."
آثار نفسية قاسية على الصحفيين
"بألم شديد يقول بشير: تعيش قمة اليأس من الحياة... تتمنى الموت فقط لترتاح من ألم انتظاره. طوال الوقت أتوقع أن أكون الهدف القادم، وأزن كلماتي بحذر شديد. فأنا لا أنقل أحداثًا فحسب، بل أقدم نفسي وروحي على طبق من ذهب للقاتل الذي لا يحتاج حتى إلى ذريعة. ،ويضيف بمرارة أن سترة الصحافة لم تعد وسيلة حماية، بل تحولت إلى "درع يجلب الموت": ويتابع حديثه : "أصعب شعور أن ترتدي زيًا يُفترض أنه يحميك بالقانون، لكنه في الحقيقة يضعك في دائرة الاستهداف المباشر. صرت أعيش مع أصوات القصف ورائحة البارود التي لا تفارق أنفي."
قتل الصحفيين و صمت المجتمع الدولي
"ويسهجن بشير قتل الصحفيين الفلسطينيين في ظل صمت دولي ، ويقول :لو تحرك المجتمع الدولي منذ القتيل الأول في صفوف الصحفيين، لما وصلنا إلى 245 شهيدًا مرشحًا للزيادة. القاتل يمارس جريمته أمام الكاميرات، جهارًا نهارًا، بلا رادع ولا خجل." ورساتنا كصحفيين واضحة : "على العالم أن يعرف أن الصحفي الفلسطيني إنسان، له أحلام وطموحات، ومن حقه أن يعيش وأن يكشف الحقيقة، ومن حقه أن ينال الحماية." أما زملاؤه الصحفيون في غزة والعالم، فيوجّه إليهم وصية مؤثرة: "روحك بالدرجة الأولى، وسلامتك قبل كل شيء. قرار مغادرة المكان في الوقت المناسب قوة وشجاعة، وليس ضعفًا ولا هروبًا. من حقك أن تعيش بحرية وكرامة، وعلى العالم أن يحترم القوانين التي وضعها، وإلا فليذهب كل هذا الزيف عن الحمايات الدولية إلى مزابل التاريخ."
استهداف الصحفيين نهج إسرائيلي
استهداف الصحفيين الفلسطينيين لم يبدأ في حرب غزة الأخيرة. فمنذ عام 2000 وحتى ما قبل السابع من أكتوبر 2023، وثّقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين مقتل 55 صحفيًا برصاص أو قصف الاحتلال، بينهم أسماء بارزة مثل شيرين أبو عاقلة (2022) وياسر مرتجى (2018).، وبحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، إسرائيل تُعتبر من أكثر الدول انتهاكًا لحرية الصحافة في الشرق الأوسط، إذ احتلت مراتب متأخرة في مؤشر حرية الصحافة العالمي. ما يحدث اليوم إذن ليس استثناءً، بل استمرار لنهج قديم قائم على إسكات الصوت الفلسطيني.
شهادة الصحفي حمزة حماد – مراسل قناة الغد / شمال غزة
يقول حماد : كنت في تغطية ميدانية في شمال قطاع غزة، ثم ذهبت إلى المنزل الذي نزحت إليه عائلتي في منطقة الصفطاوي غرب الشمال بتاريخ 22/12/2023، للاطمئنان عليهم وإحضار الطعام واحتياجاتهم. فجأة تقدمت الآليات الإسرائيلية وحاصرت المنزل، وتعرضنا للقصف، عندها أصبت إصابة بالغة ، ففي اللحظة الأولى بعد الإصابة كانت الأصعب في حياتي. حوصرنا أكثر من ثمانية أيام داخل المنزل حتى تراجعت قوات الاحتلال. بعدها تمكنت من النزول إلى مخيم جباليا والدخول إلى مستشفى جباليا، حيث مكثت أكثر من شهر كاملًا بسبب الحروق والشظايا في جسدي، كانت رحلة علاجية شاقة وقاسية للغاية. فقدت شقيقتي وطفلها والعديد من أفراد عائلتي. أصعب ما واجهته لم يكن الألم الجسدي فقط، بل ألم الفقد والنزوح المتكرر. نزحنا من تل الزعتر إلى جباليا إلى الصفطاوي، ولم يكن هناك مكان آمن. الفقدان المتكرر كان أقسى من أي إصابة ، رغم إصابتي وظروفي الصحية الصعبة، أصررت على مواصلة عملي. الدافع الأساسي كان شعوري أن وجودي على الشاشة ونقلي للحقيقة جزء من صمود شعبي الفلسطيني. شمال غزة كانت الأكثر سخونة وقسوة في تلك الفترة، وكان لا بد أن أكون شاهدًا على المجازر والتجويع والحصار.
دفنت أوجاعي على الهواء
يقول حماد : الألم الجسدي ما زال يرافقني حتى اليوم، فأنا بحاجة إلى عمليات تجميل للحروق خارج غزة لكن المعابر مغلقة. التأثير النفسي كان كبيرًا جدًا، لكنني كنت أدفن أوجاعي على الهواء كي لا أُظهر إلا صورة الشعب الذي يصمد رغم الإبادة. عزيمتي كانت أقوى من ألمي ، لم يكن هناك دعم طبي أو مؤسساتي حقيقي. بعض الجهود البسيطة بُذلت لكن الظروف لم تسمح. لم أغادر غزة بسبب الحصار، وإصابات عائلتي، والخوف من الاعتقال على الحواجز الإسرائيلية مثلما حصل مع زملاء لنا. حتى اللحظة لم أتلق العلاج الكامل ، والزي الصحفي لم يحمنا إطلاقًا. الاحتلال لم يحترم الشارة الصحفية، بل كان يستهدفها عمدًا لأنه يخشى الحقيقة. السترة أصبحت مجرد رمز، لكنها لا تردع رصاصة أو صاروخ. كنا نعرف دائمًا أننا هدف مباشر.
الموقف الدولي صادم ومخز
يقول حماد : الموقف الدولي صادم ومخزٍ. هناك قرارات دولية مثل قرار مجلس الأمن 2022/200 واتفاقيات جنيف تنص على حماية الصحفيين، لكن لم تُطبق، أكثر من مئتين وأربعين قُتلوا، والعالم لم يتحرك بجدية، هذا الصمت هو مشاركة في الجريمة.
لا مستقبل للصحافة دون وقف الإبادة ومحاسبة الاحتلال. إن لم يخضع الاحتلال للقانون الدولي سيبقى الصحفي الفلسطيني في دائرة الاستهداف، وسيظل نقل الحقيقة ثمنه الدم ، وأريد أن يعرف العالم أن الصحفي الفلسطيني يُباد، ويُجوّع، ويُحرم من أي حماية. ومع ذلك يواصل عمله. نحن نعمل في ظروف قاسية وتحديات غير إنسانية. رسالتي واضحة: أن ينصف العالم الصحفي الفلسطيني، وأن يمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلال لوقف حرب الإبادة، وتوفير حماية عاجلة وكاملة للصحفيين. المطلوب من الشعوب أن تواصل الاحتجاجات والضغط على الحكومات والأنظمة، حتى يُجبر الاحتلال على التوقف عن استهداف الصحفيين، ويعود ميزان العدالة إلى نصابه.
استهداف الصحفيين في غزة: شهادة من قلب الفقد
شهادة الصحفية رولا الدرة – زوجة الشهيد الصحفي نافذ عبدالجواد
منذ السابع من أكتوبر: بداية النزوح والخوف
تقول الدرة : منذ اللحظة الأولى من صباح السابع من أكتوبر، ومن هول ما رأينا حيث امتلأت السماء بالصواريخ وأصوات الانفجارات المرعبة، استشعرت خطرًا وأمرًا كبيرًا سيحدث بعد ذلك. وهذا ما حدث بالفعل، فلم يمض وقت قصير حتى بدأ القصف الصهيوني من كل حدب وصوب باستهداف الأبراج العالية والأدوار العليا في البنايات ، وبقينا في شقتنا "الروف" لمدة 3 أيام وكانت الأمور تزداد سوءًا أكثر فأكثر. حينها قرر زوجي الصحفي نافذ عبدالجواد الانتقال من غزة إلى مخيم المغازي في المنطقة الوسطى حيث بيت أهله. بقينا في بيت العائلة حتى صدر قرار بالنزوح، فانتقلنا إلى دير البلح وأقمنا في منزل قيد الإنشاء، عانينا فيه كباقي سكان القطاع من نقص الماء والطعام وعدم توفر غاز أو حطب لطهي الطعام البسيط. كنا صابرين حامدين شاكرين داعين الله أن يحفظنا فقط من الموت.
وتتابع الدرة كان يومنا كله يذهب في البحث عن الماء والحطب وشحن البطاريات للإضاءة والموبايلات. بقينا على هذا الحال فترة حتى جاء ابني محمد (18 عامًا) وسرد عليّ رؤيا قد رآها:
"رأيت أنني أصلي لوحدي في ساحة كبيرة وكنت أقرأ الفاتحة حتى وصلت لكلمة آمين، فإذا بي فجأة أسمع صوت جمع غفير يردد من خلفي آمين. التفت لأرى رجلًا يرتدي أبيض يشع نورًا يصلي خلفي. سألته من أين هذا الصوت؟ فرد عليّ بكل هدوء: أتقصد أهل الأرض أم أهل السماء؟
كأن شيئًا عصر قلبي، وواجهت شيئًا مخيفًا، مر يومان بعدها وعاد ابني ليسرد علينا نفس الرؤيا بنفس التفاصيل. حينها توجهت لشباك قريب مني ونظرت للسماء قائلة: "عوضي عليك يا رب".
الفاجعة: قصف مباشر
ما هي إلا أيام قليلة حتى حدث ما أخشاه. ففي منتصف ليل السابع من فبراير أفقت من نومي وأنا أطير في الهواء، كنت أطير بين السماء والأرض كأنني محمولة من أحد ما. لم أسقط على الأرض مباشرة، بقيت على هذا الحال فترة وكنت واعية تمامًا لما يحدث. تحدثت مع الله وقلت: "يا رب أعرف أن ابني لديك، أنا راضية يا الله".
نظرت إلى الأرض وكأن أحدًا سحب فرشة إسفنجية تحتي مباشرة قبل أن أصل للأرض. لم أعلم حينها أن أمي وزوجي أيضًا قد استشهدوا، فقد تم توجيه ما يقارب 4 صواريخ تجاهنا مباشرة، وأصيب إخوتي وأولادهم، واستشهد ابني وزوجي وأمي.
ما هي إلا ثوان قليلة حتى هبّ الغاز بجانبي وأمسكت بالفرشة، دعوت ربي أن ينتشلني لمكان يجاوِرني بعيدًا عن الغاز، حتى جاء رجال الإسعاف وحملوني إلى المستشفى. في المستشفى أجروا لي أكثر من عملية في وقت واحد، إصابتي كانت خطيرة جدًا واحتمال استشهادي كبير جدًا، ولكن الله أراد شيئًا آخر.
بقيت في العناية المكثفة ثم نقلوني لغرفة مع إخوتي المصابين. بقيت في المستشفى يستدعونني لغرفة العمليات كل يوم 9 صباحًا لمدة شهر ونصف، حتى جاء يوم تحويلي إلى مصر لاستكمال علاجي في 28/3/2024
الصحافة رسالة لا تنطفئ
تقول الدرة : من يعمل في الصحافة لا يستطيع، وبرغم كل ما حدث معي ومع عائلتي ومن حزني ومرضي وإصابتي الكبيرة ووجودي خارج غزة، إلا أنها لم تثنني وتوقفني عن نقل الرسالة ونقل ما عانيته ويعانيه أبناء شعبي في قطاع غزة. واجب الصحفي هو نقل الحقيقة للعالم، فهو شاهد على التاريخ وعليه توثيق الأحداث وإيصال أصوات الضحايا. فالإصابة لا تضعف عزيمة الصحفي بل تزيده إصرارًا، والقصص في مناطق النزاع كثيرة ، وخاصة في قطاع غزة. الصحفي هو الأداة لنقلها للعالم، وهو شكل من أشكال المقاومة والصمود.
استهداف العائلة كسلاح حرب
تقول الدرة إن الصحفي يتعرض لأخطار كثيرة وبشكل مستمر، ولكن عندما يمتد الخطر لعائلته التي يحبها فتصبح كابوسًا حقيقيًا. فاستهداف العائلة أسلوب ممنهج لتهديد الصحفي والضغط عليه وإجباره على وقف عمله الصحفي ، الصحفي يتحمل كل شيء إلا أن يرى عائلته تتأذى، فهي محاولة مباشرة من الاحتلال لكسر كل المعنويات. فاستهداف عائلتي كان صدمة كبيرة لي، فكان استهدافنا بشكل متعمد: قتل ابني وزوجي وأمي، وأصبت أنا وإخوتي وأبناؤهم إصابات خطيرة بصواريخ كبيرة جدًا.
غياب الدعم من المؤسسات الإعلامية الدولية
وتستغرب الدرة بقولها :للأسف لم تنصف المؤسسات الإعلامية الدولية الصحفي الفلسطيني بشكل كامل. فلقد واجه الصحفي في قطاع غزة تحديات جسيمة كالاستهداف المباشر، وإهمال من بعض المؤسسات الإعلامية الدولية التي نعمل لصالحها ولم تقدم الدعم الكافي سواء من حيث تأمين سلامتهم أو توفير الموارد اللازمة لهم ، لم تُعطَ الأهمية لسلامة مراسليها المحليين رغم اعتماد هذه المؤسسات بشكل كبير على الصحفيين الفلسطينيين بقطاع غزة الذين أظهروا شجاعتهم بنقل الحقائق رغم المخاطر الجسيمة: قتل مباشر، نقص في الموارد، انقطاع الماء والكهرباء والغذاء.
الزي الصحفي: حماية أم هدف؟
وتؤكد الدرة بأنه من المفترض أن يوفر الزي الصحفي الحماية للصحفي في أماكن الصراع كغزة. ارتداء زي الصحافة، الخوذة والدرع، يساعد على تمييز الصحفي من الاستهداف. لكن ما يحدث على أرض الواقع شيء مغاير تمامًا ، ورغم الحماية الدولية القانونية ثبت أن الأمور في غزة تكون بشكل معاكس: فالزي لا يوفر أمانًا، بل هو علامة واضحة للاحتلال لاستهدافه بشكل مباشر ومتعمد. وهذا ما رأيناه أمام أعيننا في استهداف الزميلة شيرين أبو عاقلة، وآخرها ما حدث على الهواء مباشرة من استهداف في مستشفى ناصر بخانيونس وقتل مباشر ومتعمد لثلة من الصحفيين. هذه الاستهدافات مقصودة لمنع نقل الصورة، وإسكات صوت الحقيقة.
الصمت الدولي وازدواجية المعايير
هناك صمت دولي تجاه استهداف الصحفيين رغم وجود قوانين دولية صريحة لحمايتهم. لا يمكن محاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الصحفيين، مما يشجع على مزيد من الجرائم ، فهناك ازدواجية المعايير واضحة ، فعندما استهداف صحفي غربي تصدر إدانات قوية وتحقيقات عاجلة، أما في غزة فالإدانات خجولة وضعيفة، وهذا يقلل الضغط عن الطرف المسؤول.
معركة البقاء ومستقبل الصحافة
تستطرد الدرة حديثها ، في الوقت الحالي أصبح العمل الصحفي معركة للبقاء على قيد الحياة وليس مجرد نقل الخبر. القصف طال مقرات المؤسسات الصحفية وشركات الإنتاج، مما أدى إلى شل قدرة الصحفيين على مواصلة عملهم. انقطاع الكهرباء والإنترنت والاتصالات جعل التواصل ونقل المواد الإعلامية أمرًا بالغ الصعوبة، ورغم الجوع والعطش وفقدان الأهل والأصدقاء والضغوط النفسية والجسدية، فإن مستقبل الصحافة في قطاع غزة لن يموت. فالصحفيون يوثقون الأحداث بالكاميرا والهاتف المحمول ويعتمدون على الإعلام الرقمي لنشر تقاريرهم ونقل الصورة كاملة.
الصحفي الفلسطيني شاهد وضحية
وتضيف الدرة يجب أن يعرف العالم أن الصحفي الفلسطيني ليس مراسلًا فقط، بل هو جزء من المجتمع الذي يوثق معاناته ويعيش الحدث بكل تفاصيله. قد يكون الشهيد أخاه أو قريبه أو صديقه أو جاره، والمنزل المقصوف ربما يكون لأهله أو جيرانه. وهذا ما يجعل تقاريرهم ذات مصداقية عالية.
عدد الصحفيين الفلسطينيين الشهداء يفوق أي صراع في التاريخ الحديث. وهم يعملون في ظروف شبه مستحيلة: مقراتهم الإعلامية قصفت، والكهرباء والإنترنت منقطع، فيضطر بعضهم للمشي مسافات طويلة للبحث عن مكان لشحن هاتفه أو عن إشارة للاتصال.
الإصابة والفقدان وإسكات الصوت
وفي وصف الفقد تقول الدرة هذه المخاطر الثلاثة مترابطة تقول الدرة : الإصابة حدثت لي بالفعل نتيجة الاستهداف المباشر، وجعلت مني مقعدة على كرسي متحرك. أما الفقدان، فقدت ابني الوحيد وزوجي وأمي وأخي وزوجته وأولاده وزملائي وأصدقاء العمل، مما زاد شعوري بالعزلة. أما إسكات الصوت، فهو أخطر ما يواجه الصحفي: أن يذهب عمله وتضحياته والحقيقة سدى.
رسالة الدرة إلى العالم والزملاء
العمل الصحفي ليس مجرد مهنة بل رسالة وواجب وطني. الصحفي شاهد على التاريخ وصوت لشعبه.
أقول لزملائي: أنتم الأساس، لا تتركوا القصة تموت. اعتنوا بأنفسكم.
وأقول للعالم: الصحفي ناقل للحقيقة، ليس طرفًا في الصراع. لا تصمتوا ولا تتركوا قصتنا تُمحى.
د. عاهد فروانة – أمين سر نقابة الصحفيين الفلسطينيين
استهداف الصحفيين الفلسطينيين في العدوان الأخير على غزة
منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، ارتقى 246 صحفيًا وصحفية وعاملًا في قطاع الإعلام في غزة، فيما أصيب أكثر من 300 آخرين بإصابات متفاوتة، بعضها أدى إلى بتر ويحتاج لعلاج خارج القطاع. هذه الأرقام تجعل من هذا العدوان أكبر مجزرة تُرتكب بحق الصحافة في تاريخ أي حرب عالمية أو نزاع محلي ودولي.
أكد الدكتور عاهد فروانة، أمين سر نقابة الصحفيين، في اتصال معه أن النقابة توثق بدقة كل بيانات الصحفيين، بما في ذلك الاسم، المؤسسة التي يعمل بها، طبيعة عمله، العمر، الأسرة، تاريخ الاستشهاد وظروفه. وتصدر النقابة تقارير دورية شهرية وربع سنوية ونصف سنوية وسنوية، يتم ترجمتها وإرسالها إلى الاتحاد الدولي للصحفيين والاتحادات النقابية الشقيقة والصديقة حول العالم.
استهداف الصحفيين في أثناء عملهم
أوضح فروانة أن 30% على الأقل من الشهداء كانوا يؤدون عملهم الميداني، مع احتمال أن تكون النسبة أكبر، نظرًا لأن الكثير من الصحفيين استُشهدوا في بيوتهم أو الخيام أو مراكز الإيواء نتيجة تدمير مؤسساتهم الصحفية. اضطر بعضهم للعمل من المستشفيات أو مراكز الإيواء، حيث استهدفهم الاحتلال أيضًا.
استهداف العائلات والمنازل
كشف فروانة عن حالات استهداف متكاملة للعائلات، حيث استشهد الصحفي مع زوجته وأولاده ووالديه وإخوته، وتم مسحهم من السجل المدني. أبرز مثال على ذلك استهداف الزميل محمد أبو حطب مع زوجته وأطفاله عند عودته إلى منزله. هذه الحالات تظهر تعمد الاحتلال استهداف الصحفيين وعائلاتهم.
الاستهداف الممنهج والمقصود
أكد فروانة أن العدد الكبير من الشهداء يشير إلى استهداف ممنهج ومقصود للصحفيين، مشيرًا إلى أن الاحتلال وضع الصحفيين في دائرة الاستهداف لمنع الصوت الفلسطيني من الوصول إلى العالم. وأضاف أن الاحتلال هدد الصحفيين مرات عديدة بحجج واهية، إلا أن السبب الحقيقي كان التغطية المهنية لكشف جرائم المجاعة والقتل والحصار في قطاع غزة .
وأشار إلى استهداف مجموعات من الصحفيين أمام مستشفيات الشفاء، ناصر والمعمداني، ومن بينهم أنس الشريف، محمد قريقع، محمد الخالدي، وحسام المصري، مريم أبودقة وزملاؤهم. واعتبر فروانة أن هذا استهداف متعمد للصحفيين لفضحهم جرائم الاحتلال وحرب الإبادة والتجويع على غزة.
دور الصحفي الفلسطيني في التعويض عن غياب الصحافة الأجنبية
نوّه فروانة إلى أن الصحفي الفلسطيني استطاع تعويض غياب الصحافة الأجنبية التي منع الاحتلال دخولها، من خلال توثيق الجرائم وإرسالها إلى وكالاتهم ومؤسساتهم الإعلامية حول العالم. وأوضح أن هذه التغطية أسهمت في تغيير الصورة تدريجيًا لصالح السردية الفلسطينية، ما أدى إلى استهداف ممنهج للصحفيين بسبب قيامهم برسالتهم الإعلامية.
التحديات الميدانية واللوجستية
أكد فروانة أن الصحفيين يعملون أمام الجميع، يرتدون شاراتهم ودروعهم وخوذاتهم، ويخرجون ببث مباشر، ومع ذلك فإن الاحتلال لا يلتزم بالقوانين والشرائع الدولية، ما أدى إلى استهداف مباشر لهم.
وأشار إلى أن الصحفي الفلسطيني يواجه صعوبات شديدة تشمل:
- استهداف مباشر أدى إلى استشهاد 246 صحفيًا وإصابات واعتقالات.
- محدودية أماكن العمل، مما اضطرهم للعمل في كافيهات ومستشفيات وخيام ومراكز إيواء أو في الشارع.
- صعوبات التنقل بسبب منع دخول الوقود وتدمير الطرق، انقطاع التيار الكهربائي وصعوبة الاتصالات والإنترنت.
- عدم توفر الدروع والخوذات ومعدات السلامة المهنية، تقادم الكاميرات وتعطل المعدات.
الدعم المقدم من النقابة
أوضح فروانة أن النقابة تقدم دعمًا ماديًا ولوجستيًا وقانونيًا ونفسيًا، ضمن الموارد المتاحة أو عبر الاتحاد الدولي للصحفيين ومؤسسات دولية أخرى وتشمل جهودها:
- توفير مساعدات غذائية وأغراض نظافة وخيام وخضار.
- التقديم القانوني لرفع قضايا لمحكمة الجنايات الدولية بحق قادة الاحتلال.
- إجلاء المصابين بجروح خطيرة أو بتر، و التواصل المستمر مع أهالي الشهداء لتقديم الدعم الإغاثي.
المتابعة الحقوقية والملاحقات الدولية
أكد فروانة أن النقابة تواصلت مع الاتحاد الدولي للصحفيين والمؤسسات الحقوقية الدولية لتوثيق الاستهدافات وتقديم الملفات لمحكمة الجنايات الدولية، رغم مماطلة الأخيرة وتأخر فتح الملفات القانونية منذ عام 2022. وأوضح أن هذا التأخير يشجع الاحتلال على الاستمرار في جرائمه دون محاسبة
التأثير النفسي والاجتماعي
أشار فروانة إلى أن الاستهدافات المتكررة تسببت في ضغوط نفسية كبيرة للصحفيين وأسرهم، وأدت إلى:
- صعوبة التنقل والعمل بحرية.
- رفض أصحاب العقارات تأجير الصحفيين خشية الاستهداف.
- ابتعاد بعض الصحفيين عن العمل الإعلامي أو مغادرة القطاع بأمر شخصي أو بناءً على طلب وكالاتهم.
مع ذلك، هناك إصرار من الصحفيين على مواصلة التغطية وفضح جرائم الاحتلال رغم الضغوط النفسية الكبيرة.
تحريض الإعلام العبري ودوره في استهداف الصحفيين الفلسطينيين
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تصاعدت بشكل ملحوظ وتيرة الخطاب التحريضي في وسائل الإعلام الإسرائيلية ضد الصحفيين الفلسطينيين والمدنيين في قطاع غزة. وأكدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، في تقرير موثق للجنة الحريات الصحفية، أن الإعلام العبري تجاوز دوره كناقل للأحداث ليتحول إلى أداة تحريض فعالة تسعى لشرعنة استهداف الصحفيين الفلسطينيين، عبر حملات تشويه ممنهجة ومعلومات مضللة تربطهم زوراً بفصائل مسلحة.
وفق التقرير، تعاونت وسائل الإعلام العبرية بشكل وثيق مع الجيش الإسرائيلي، حيث تم توثيق وجود وحدة عسكرية مختصة بترويج روايات مضللة عن الصحفيين، كما كشفت مجلة +972. ومن بين ضحايا هذا النهج، الصحفيان حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا، اللذان استشهدا في 7 يناير 2024 أثناء تغطيتهما الميدانية، بعد أن تم وسمهما زوراً بالانتماء إلى فصائل مسلحة.
القنوات الإسرائيلية مثل قناة 14 لعبت دوراً محورياً في التحريض؛ فقد دعا المذيع شمعون ريكلين إلى تدمير شامل للبنية التحتية في غزة، بينما صرحت المذيعة كتي شيطريت بأنها لو كانت في موقع اتخاذ القرار لقامت "بمسح غزة"، وذهب الصحفي داني نيومان حدّ الدعوة لقتل مئة ألف فلسطيني خلال أول يومين من الهجوم. أما قناة13 فبثت تقارير زائفة ضد الصحفيين الفلسطينيين، بينما حرض الصحفي تسفيكا يحزكل علناً على قتلهم.
كما أشار التقرير إلى مشاهد لصحفيين إسرائيليين يظهرون في التغطيات الميدانية وهم يحملون السلاح، مثل إيلي أفيف من قناة 14 وداني كشمارو من القناة 12، الذي رافق عمليات عسكرية واحتفى بتفجير منزل كـ"إنجاز صحفي".
الصحف العبرية بدورها تبنت خطاباً متطرفاً، مثل إسرائيل هيوم التي نشرت تصريحات تحريضية تقول بأن "الفلسطينيين يستحقون الموت المؤلم"، وكذلك مكور ريشون التي دعمت خطاب الكراهية. بينما قامت مواقع مثل Ynet وWalla وMaariv بإعادة نشر بيانات الجيش الإسرائيلي دون تدقيق، متهمة الصحفيين الفلسطينيين بالانتماء للمسلحين.
في ظل هذا المناخ، فرضت الرقابة العسكرية الإسرائيلية قيودًا مشددة على التغطية الإعلامية، ومنعت الصحفيين الأجانب من الوصول المستقل إلى غزة، وفقاً لتقارير رابطة الصحافة الأجنبية.
وقد أدى هذا التصعيد إلى استشهاد عشرات الصحفيين الفلسطينيين، من بينهم خمسة صحفيين في قصف مجمع ناصر الطبي بخانيونس. كما سبق استهداف عدد منهم بحملات تشويه، كحالة الصحفي أنس الشريف.
رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، محمد اللحام، شدد على أن هذا الدور التحريضي للإعلام العبري موثق بالكامل وسيُستخدم كأساس قانوني أمام المحاكم الدولية، مؤكدًا سعي النقابة لتقديم الملف إلى محكمة الجنايات الدولية، والعمل على نشر قائمة سوداء بأسماء الصحفيين الإسرائيليين والمؤسسات الإعلامية الضالعة في التحريض.
دكتورة شاهيناز، مساعد رئيس تحرير الأهرام – الأهرام العربي
تقول شاهيناز : بداية مما لا شك فيه أن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل متعمّد، فهم الوسيلة الوحيدة حاليًا لنقل كل جرائم الإبادة التي يقوم بها الاحتلال على الشعب الأعزل الفلسطيني داخل القطاع ، وبالتالي يسعى الاحتلال قدر الإمكان للقضاء على هذه الوسائل بكل الطرق الممكنة، ويفعل ذلك عن قصد متعمد ، وقد سبق وأن أرسل الاحتلال العديد من وسائل الإنذار للصحفيين الفلسطينيين، كما حدث مع الصحفي ومراسل قناة الجزيرة أنس الشريف، الذي تم اغتياله مؤخرًا، بالإضافة إلى العديد من الزملاء السابقين. هذا السلوك من الاحتلال يعد نتيجة طبيعية لحالة الركون والضعف التي تعانيها المؤسسات القومية والدولية في العالم، ولا سيما مؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات المسؤولة عن حماية الصحفيين والمراسلين في مناطق النزاع والحروب، حيث إن الغطاء والحماية الدولية للصحفيين غير متوفرة في قطاع غزة، ويغيب وجودها أساسًا.
وتؤكد شاهيناز أن الصحفي الفلسطيني في غزة غير محمي، ويغطي الأحداث بناءً على ضميره المهني ومسؤوليته في نقل الخبر، إذ إن هذا عمله الطبيعي والوظيفي ، وفي المقابل يسعى الاحتلال الإسرائيلي جاهداً للقضاء على أي وسيلة ممكنة لنقل الأخبار، ويمارس تعتيمًا إعلاميًا لمنع العالم من متابعة الأحداث. فالعالم اليوم، وشريحة كبيرة من الجمهور بمختلف طبقاته، تتابع قطاع غزة، وتسعى لوقف الحرب عليه، الأمر الذي يقلق دولة الاحتلال ويحد من أهدافها.
وتتابع شاهيناز حديثها بأن وسائل الإعلام والقنوات الإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في نقل الخبر بشكل مباشر وحقيقي، ما يثير قلق الاحتلال ويقلل من قيمة ما يسعى لتحقيقه. وأصبح هناك وعي غربي، بالإضافة إلى الوعي العربي، وتضامن متزايد مع الشعب الفلسطيني، وكان للصحفيين الفلسطينيين دور كبير في هذ ، ومن الطبيعي أن يكون الصحفي محميًا سواء في أوقات السلم أو الحرب، والقانون الدولي يكفل له ذلك، لكن دولة الاحتلال اليوم تتجاهل كل القوانين الدولية، وتتصرف كما تشاء دون أي ردع خارجي، ولا تهتم بأي وقفات أو مطالبات دولية. للأسف، لا توجد أي قوة دولية أو إعلامية قادرة على وقف الطغيان الإسرائيلي.
وأضافت شاهيناز أن الوسيلة الوحيدة للحد من استهداف الصحفيين هي وقفة الصحفيين مع بعضهم، واستمرارهم في نقل الحقيقة ورسالتهم. لا يعني ذلك أن يضحوا بحياتهم، بل يعني الصمود واستمرار نقل الأحداث التي يحاول الاحتلال منعها من الوصول للعالم. صمود الصحفيين الفلسطينيين واضح للجميع ويستحق التقدير، وهو الوسيلة التي قد توقف الاحتلال عن جرائمه. ومع ذلك، لا يمكن توقع دعم أو تدخل دولي فعال في الظروف الحالية، خاصة بعد أن فشلت جميع التحركات خلال السنتين الماضيتين في وقف الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وحتى القضايا التي رفعتها المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى محكمة الجنايات الدولية على الاحتلال لم يتم البت فيها. والنتيجة الوحيدة هي صمود الصحفيين الفلسطينيين رغم التهديدات.
أما عن الإعلام المصري فتقول شاهيناز : يحاول بقدر الإمكان نقل القضية الفلسطينية بكل صورها الممكنة، ويسلّط الضوء على حرب الإبادة في غزة بشتى الوسائل. الصحفيون والإعلاميون المصريون لم يتوانوا عن ذلك لخدمة القضية الفلسطينية، وهذا يعكس السياسة العامة للدولة سواء في الإعلام أو في أي مجالات أخرى.
أصوات العائلات: الوجع الإنساني خلف الكاميرا
زوجة الصحفي الشهيد ساري منصور، الذي ارتقى في أثناء تغطيته الصحفية ونقل الحقيقة للعالم، تقول:
"كان يخرج لينقل معاناة شعبه الذي يُباد حتى يراها العالم، ولم يعد… ترك لنا صورًا لم تكتمل، ومنزلًا تحوّل إلى ركام صامت."
الأطفال الذين اعتادوا انتظاره بالكاميرا والقصص، وجدوا أنفسهم يتامى أمام شاشات تُبث فيها صور دماء والدهم.
ابنه دانييل (7 سنوات) يعيش يوميًا تحت وطأة الصدمة. لم يعد يلهو كما اعتاد، وإن لعب جلس وحيدًا. عيناه تبحثان عن أبيه، وحديثه يدور حول القصف والموت. يردد ببراءة جارحة:
"ماما… بابا، اليهود ذبحوه من رقبته؟"
تتساءل والدته: أي كلمات تكفي لشرح هذا الظلم لطفل لم يفهم بعد معنى الغياب؟
وفي أحد الأيام، وقف دانييل أمام صورة والده وقال بصوت مرتجف:
"بابا بحبك… وينك؟ تعال عندي، بدنا نروح سوا زي ما كنت تاخذني."
ومنذ ذلك اليوم، صار ينام إلى جانب صورة والده، يعامِلها كأنها أبٌ حيّ: صورة فقط… بلا حضن، بلا دفء، بلا صوت، بل غياب يثقل طفولته.
في الزاوية الأخرى، طفلته الصغيرة التي لم تعرف والدها إلا من الصور، تجلس أمام صورته وتحادثه ببراءة:
"بابا ساري، آجي عندك؟"
"بابا، أعطيني بوسة؟"
تنتظر قبلة من صورة جامدة، تسأله متى يعود، متى يدخل البيت، وتلوّح له لتريه ما ترتديه. لا تدرك أن الانتظار قد يطول… وربما يظل أبديًا.
نموذج يتكرر
قصة ساري منصور ليست استثناءً؛ بل مرآة لواقعٍ يعيشه عشرات الصحفيين الفلسطينيين وعائلاتهم. بين شهداء تركوا أطفالًا بلا آباء، وأسرًا بلا مأوى، يتضح أن الاستهداف لم يكن فرديًا أو عشوائيًا، بل سياسة ممنهجة لاغتيال الصوت والصورة معًا، ودفن الحقيقة مع أصحابها.
وفي رسالة لزوجة الصحفي بعد انعدام وسائل التواصل وانقطاع الإنترنت وجهت رسالة ورقية له تطلب فيها : " ضليت انا والاولاد نستنى فيك من الصبح ، وما اجيت زعلنا كثير والله وضليت احكى عندو اجى ، ومااجيت الله يسامحك تعال بكرة تغذا بينا "
منهجية الاستهداف: هل هو عشوائي؟
الأرقام والشهادات تكشف أن الاستهداف ليس عرضيًا:
- قتل عائلي جماعي: أكثر من 800 فرد من عائلات الصحفيين قُتلوا في منازلهم.
- تدمير ممنهج للبنية الإعلامية: 15 مؤسسة إعلامية دُمّرت بالكامل في غزة.
- الاعتقال والإخفاء القسري: عشرات الصحفيين اعتُقلوا، بعضهم مثل نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد ما زال مصيرهم مجهولًا.
منظمة "لجنة حماية الصحفيين" (CPJ) قالت إن "الاستهداف في غزة يبدو سياسة ممنهجة لإسكات الصوت والصورة". أما "مراسلون بلا حدود" فوصفوا غزة بأنها "أكبر مقبرة للصحفيين في العالم".
لغة الأرقام: مجزرة غير مسبوقة
بحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين – رام الله/غزة
ضحايا الاستهداف المباشر وغير المباشر
- 246 صحفيًا وعاملًا في الإعلام استشهدوا حتى 26 أغسطس 2024، بينهم 33 صحفية.
- 520 إصابة متفاوتة منذ 7 أكتوبر 2023.
- أكثر من 800 فرد من عائلات الصحفيين قُتلوا في غزة.
- نحو 800 صحفي يعيشون حالة نزوح متكرر في ظروف قاسية.
الاعتقالات والانتهاكات
- 206 حالة اعتقال واحتجاز منذ أكتوبر 2023.
- 55 صحفيًا لا يزالون رهن الاعتقال.
- 18 صحفية اعتُقلن، تبقى منهن واحدة: فرح أبو عياش.
- 48 حالة اعتقال إداري، 23 منهم لا يزالون محتجزين.
سياسة الإخفاء القسري
- نضال الوحيدي
- هيثم عبد الواحد
استهداف المؤسسات الإعلامية
- تدمير 115 مؤسسة إعلامية في غزة.
- إغلاق 5 مؤسسات في الضفة والقدس.
- تدمير أو إغلاق 12 مطبعة صحفية في الضفة.
النقابة وصفت ما يجري بأنه: " أكبر مجزرة بحق الصحافة عبر التاريخ الحديث".
حماية الصحفيين في غزة: النصوص القانونية بين النظرية والتطبيق
يشير د. حسن أحمد أستاذ الإعلام بجامعة فلسطين إلى أن القانون الدولي يحمي الصحفيين نصيًا، سواء في اتفاقيات جنيف أو في قرارات مجلس الأمن مثل القرار 2222 لعام 2015، إلا أن هذه النصوص غالبًا ما تبقى دون تطبيق عملي. فالمحكمة الجنائية الدولية لم تُصدر نتائج ملموسة، والمقرر الخاص بحرية التعبير يكتفي بإصدار بيانات غير ملزمة، بينما حملات الضغط الحقوقية والشعبية لم تُحدث أثرًا رادعًا.
ويضيف د. أحمد أن هذه الفجوة القانونية تُستغل من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي عبر أساليب التضليل الإعلامي، من خلال بث معلومات مضللة وتشويه الحقائق ونشر أكاذيب لتبرير جرائمها سواء ضد الصحفيين أو المدنيين، ومحاولات تضليل الرأي العام تقع ضمن سياسات ونهج حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فلا حصانة للصحفيين بل إمعان في استهدافهم وملاحقتهم ، وكذلك استهداف كل ما هو فلسطيني في حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني بهدف تهجيره عن أرضه أو قتله، وترى حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفسها فوق القانون الذي لا تعترف به أصلًا عندما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وأمنه وسلامته ، فالحقيقة التي ينقلها الصحفي الفلسطيني من خلال التغطية بالصورة والكلمة تزعج حكومة الاحتلال، لأنها تفضح أكاذيبه وتكشف زبف إعلامها وتبريراتها، ما يزيد من استهداف الصحفيين ويضع الإعلام الفلسطيني أمام تحديات مزدوجة: حماية حياة الصحفيين ومهنيتهم، ومواجهة حملات التضليل التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية التي تهدف إلى تزييف الصورة أمام الرأي العام الدولي.
رأي الأستاذة سامية إبراهيم، المختصة بالشأن القانوني:
توضح الأستاذة سامية إبراهيم، المختصة بالشأن القانوني، أن قضية حماية الصحفيين في غزة تمثل اختبارًا لمصداقية القانون الدولي الإنساني. فالنصوص القانونية متوفرة وملزمة على الورق، لكن غياب الإرادة السياسية وآليات التنفيذ يجعلها بلا أثر فعلي.
وتشير إبراهيم إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل هذه الفجوة للإفلات من العقاب، عبر توظيف أساليب التضليل الإعلامي، من خلال تشويه الحقائق وبث معلومات مضللة تهدف إلى تزييف الصورة أمام الرأي العام الدولي، في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن تفعيل قرارات مجلس الأمن أو تحريك المحكمة الجنائية الدولية.
وتؤكد إبراهيم أن حماية الصحفيين ليست مجرد مسألة مهنية مرتبطة بسلامة الأفراد، بل هي حق إنساني أساسي، إذ إن استهداف الصحفيين يساوي استهداف الحق في المعرفة وطمس الحقيقة أمام العالم.
تؤكد شهادات المنظمات الحقوقية الدولية على خطورة الوضع:
- RSF: تصف غزة بأنها "أكبر مقبرة للصحفيين".
- CPJ: تشير إلى وجود "استهداف ممنهج لإسكات الصوت والصورة".
ويذهب الرأي القانوني الدولي إلى أن الهجمات المتكررة على الصحفيين قد تُعد جرائم حرب ضمن الإطار القانوني الدولي، خاصة حين تُستهدف المرافق الإعلامية بشكل ممنهج، كما يؤكد أندرو كلافام.
من منظور المقارنة العالمية، تُعد غزة حالة استثنائية في استهداف الصحفيين:
- حرب العراق (2003): استشهد 16 صحفيًا.
- حرب البوسنة (1992-1995): استشهد 49 صحفيًا.
- غزة (في أقل من عام): استشهد 246 صحفيًا.
هذا المشهد يوضح حجم التحديات التي تواجه الصحفيين في مناطق النزاع، والفجوة الكبيرة بين النصوص القانونية النظرية والواقع العملي على الأرض.
المقارنة الدولية – ازدواجية في التعاطي
- عندما استُهدفت الصحفية شيرين أبو عاقلة، ضج العالم لأشهر، لكن استشهاد أكثر من مئة صحفي في غزة لم يلقَ الصدى نفسه.
- في حالات أخرى مثل مقتل الصحفي جمال خاشقجي، تحوّل الملف إلى قضية دولية شغلت المحاكم والإعلام الغربي.
في المقابل، يُنظر إلى استهداف الصحفيين الفلسطينيين كأرقام تُضاف إلى "حصيلة الضحايا" دون محاسبة أو مساءلة جادة.
- جيمس فولي: صوت الصحافة المستهدف في مناطق النزاع
في يوم عيد الشكر عام 2012، كان جيمس رايت فولي، الصحفي والمصور الحربي الأمريكي، يغطي الحرب الأهلية السورية في مدينة إدلب شمال غرب سوريا. أثناء عمله المهني لنقل الحقائق للعالم، وقع في قبضة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بتاريخ 22 نوفمبر 2012، ليبدأ فصلًا طويلًا من الاختطاف والمعاناة استمر لمدة 22 شهرًا، تعرض خلالها لظروف قاسية وتهديدات مستمرة.
في أغسطس 2014، نشر التنظيم فيديو يظهر فيه فولي وهو يُذبح، في ما وصفه التنظيم بـ"رسالة إلى أمريكا" ردًا على الضربات الجوية الأمريكية في العراق. كان هذا الحدث صدمة للعالم، إذ أصبح فولي أول أمريكي يُنفذ فيه حكم الإعدام على يد داعش، ما أثار ردود فعل دولية واسعة.
الولايات المتحدة أدانت العملية بشدة، وكان الرئيس باراك أوباما واضحًا في وصفه للفعل بأنه مصدر اشمئزاز للعالم بأسره، من جانبها وصفت منظمة العفو الدولية قتل فولي بأنه "جريمة حرب"، ودعت إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة. كما أسس والدا فولي "مؤسسة جيمس فولي للإرث" لتعزيز حرية الصحافة ودعم الصحفيين المحتجزين في مناطق النزاع.
تم أيضًا توثيق حياة فولي ومرحلة اختطافه وظروف احتجازه في فيلم وثائقي بعنوان "Jim: The James Foley Story"، من إخراج براين أوكس عام 2016، ليسلط الضوء على المخاطر التي يواجهها الصحفيون في الحروب والنزاعات المسلحة
أصبحت قصة جيمس فولي رمزًا عالميًا لمواجهة استهداف الصحفيين، وتستخدم في حملات توعية حول أهمية حماية الصحفيين وضمان حرية الصحافة. إن تجربة فولي تعكس التهديدات الواقعية التي يواجهها الصحفيون في مناطق النزاع، وهو إطار يمكن مقارنته بما يتعرض له الصحفيون الفلسطينيون في قطاع غزة، حيث يواجهون القتل والاستهداف المباشر أثناء نقل الحقيقة للعالم، في ظل صمت وتخاذل بعض الآليات الدولية.(The New Yorker – Five Hostages)
وكما أدانت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير، استهداف إسرائيل للصحفي إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي من قناة الجزيرة في غزة بتاريخ 1 أغسطس 2024، واعتبرت هذا الاستهداف المتعمد جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، مطالبة بإجراء تحقيقات فورية ومستقلة ومحاسبة الجناة. وأكدت خان أن الصحفيين يتمتعون بالحماية كمدنيين، وأن استهدافهم دون أي دليل ملموس يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واعتداءً على حرية الإعلام (الأمم المتحدة، 2024).
الصحفيون الأجانب: حصار الحقيقة من المعابر
لم يقتصر استهداف الحقيقة على الصحفيين الفلسطينيين وحدهم، بل امتد إلى المراسلين الدوليين الذين حاولوا دخول غزة لتغطية ما يجري. فبعد مرور أشهر على الحرب، ظلّت أبواب غزة مغلقة أمامهم، لتبقى التغطية محصورة في عدسات الصحفيين المحليين الذين يواجهون الموت يومياً.
في فبراير 2024، وقّع أكثر من خمسين مراسلاً ومذيعاً من مؤسسات عالمية مثل BBC وSky News وCNN وNBC على رسالة مفتوحة موجهة إلى حكومتي إسرائيل ومصر، طالبوا فيها بفتح ممر آمن يسمح لهم بالوصول إلى غزة. وجاء في الرسالة، التي نشرتها مراسلون بلا حدود (RSF، 19 فبراير 2024)، أن دخولهم مقيد أو مشروط بمرافقة الجيش الإسرائيلي، وهو ما يُفقد الصحافة استقلاليتها ويحوّلها إلى جزء من آلة الحرب الإعلامية.
الصحفية أليكس كروفورد (Sky News) عبّرت بمرارة عن عجزها في الوصول قائلة:
"قضيتُ الأشهر الماضية أطرق كل الأبواب، لكن لم يُسمح لنا بدخول غزة عبر معبر رفح ولا عبر الجانب الإسرائيلي. هكذا بقيتُ أتابع المأساة من الخارج، فيما يواجه زملاؤنا الفلسطينيون الموت وهم يوثّقون الحقيقة" (تصريحاتها في Sky News، فبراير 2024).
أما كلاريسا وارد CNN فتمكنت من دخول غزة لساعات معدودة فقط، برفقة بعثة طبية عبر معبر رفح. ووصفت التجربة بأنها أقرب إلى "نافذة صغيرة على الجحيم"، مؤكدة أن منع الصحافة الدولية من البقاء داخل القطاع "يخفي الكثير من الحقائق عن العالم" CNN، نوفمبر 2023 هذه الشهادات عززها موقف الأونروا، حيث وصف المفوض العام فيليب لازاريني الحظر الإسرائيلي والمصري على دخول المراسلين الأجانب بأنه «حظر الحقيقة»، مؤكداً أن إبقاء الإعلام العالمي في الظلام "خطر يوازي القصف نفسه" UNRWA، ديسمبر 2023.
أما مراسلون بلا حدود RSF فقد كشفوا في تقريرهم أن إسرائيل تمنع الصحفيين من الدخول عبر معابرها، بينما تبرر مصر المنع بأسباب إجرائية وأمنية، ليبقى الطرفان متواطئين في "إغلاق غزة إعلامياً"، وهو ما وصفته المنظمة بـ "الحصار المعلوماتي" RSF، فبراير 2024 .
هكذا وجد العالم نفسه يعتمد حصراً على شجاعة الصحفيين الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم، فيما يُمنع المراسلون الدوليون من الدخول. هذا التواطؤ المزدوج جعل من غزة "منطقة مظلمة إعلامياً"، حيث تحاول القوة العسكرية أن تنتصر على الحقيقة عبر إسكات شهودها المحليين ومنع شهود العالم من الوصول.
صحافة تُباد… وحقيقة تُغتال
ما يجري في غزة ليس فقط حربًا على المدنيين، بل حربًا على شهود الحقيقة. لم يعد الصحفي الفلسطيني ناقلًا للخبر، بل جزءًا من الخبر نفسه، مستهدفًا بكاميرته وصوته وعائلته.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
- هل نحن أمام إبادة مزدوجة، تُفني البشر وتُبيد الحقيقة معًا؟
- وهل يصمت العالم حتى يُمحى آخر شاهد عيان؟
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، بل جريمة ممنهجة تستهدف الصحافة باعتبارها الشاهد الأخير على ما يجري. لم يعد استهداف الصحفيين "أضرارًا جانبية"، بل سياسة متعمدة لإسكات الحقيقة.
ورغم أن القانون الدولي يضمن الحماية للصحفيين، إلا أن الواقع يكشف هشاشة هذه النصوص ما لم تُترجم إلى آليات للمساءلة والمحاسبة
وتبقى الكلمات الأخيرة للصحفية رولا الدرة، التي فقدت زوجها وابنها وأمها تحت القصف:
"قد يأخذون أجسادنا، لكن أصواتنا ستبقى. ما دام هناك صحفي واحد حيّ، لن يستطيعوا قتل الحقيقة."
في غزة، لا ينتهي الخبر عند حدود الورقة أو الشاشة، بل يمتد إلى دماء الصحفيين التي تُراق وهم يحملون الكاميرا والميكروفون. الصحافة هنا ليست مهنة، بل قدر يتحول فيه ناقل الحقيقة إلى شهيد أو جريح أو أسير.
منذ اغتيال شيرين أبو عاقلة وياسر مرتجى وصولًا إلى محمد أبو حطب، مرورًا بمئات الصحفيين الذين سقطوا أو أُصيبوا أو فقدوا عائلاتهم، يتكرر المشهد ذاته: صحفيون يتقدمون الصفوف بلا حماية حقيقية، وزيّهم المهني يتحول إلى علامة استهداف بدلًا من أن يكون درعًا واقيًا.
ومع غياب المحاسبة الدولية وصمت المؤسسات التي تستفيد من عمل المراسلين المحليين دون أن تضمن سلامتهم، يبقى الصحفي الفلسطيني يواجه مصيره وحده. ورغم كل ذلك، يصر هؤلاء على الاستمرار، لأنهم يدركون أن الكاميرا باتت السلاح الوحيد المتبقي لمواجهة محاولات طمس الحقيقة.
إن هذا التحقيق، بما يحمله من شهادات ودموع ورسائل من قلب غزة، يضع العالم أمام مسؤولية أخلاقية:
- إما أن تُحترم القوانين الدولية التي تحمي الصحفيين ويُحاسب من استهدفهم عمدًا.
- أو يُترك الباب مفتوحًا لمزيد من الجرائم التي لا تقتل الصحفي فحسب، بل تقتل الحقيقة معه.
إرسال تعليق