وصف المدون

بوابة النداء - Al_Nidaa Gate
|
|

إعلان الرئيسية

عاجل

شريط الأخبار

مراجعة كتاب "الاقتصاد السياسي لإيران بعد الثورة" *

        العنوان الأصلي: Iran's Political Economy since the Revolution تأليف: سوزان مَلوني الناشر: مطبعة كامبريدج الجامعية (Cambridge Uni...

حجم الخط

 مراجعة كتاب "الاقتصاد السياسي لإيران بعد الثورة" *

  
 

العنوان الأصلي: Iran's Political Economy since the Revolution

تأليف: سوزان مَلوني

الناشر: مطبعة كامبريدج الجامعية (Cambridge University Press)

سنة النشر: آب / أغسطس ٢٠١٥

عدد الصفحات: ٥٨٥ صفحة

قراءة: تامر بدوي**

أوّلًا: محاولات التأريخ لاقتصاد إيران السياسي

ظل موقع الاقتصاد الإيراني من النقاشات الأكاديمية الدائرة حول السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية مهمشًا لفترة طويلة لمصلحة دراسة الأيديولوجيا، ذلك أنّها تعدّ المحرك الرئيس لمنعطفات السياسة الإيرانية المدفوعة بصراعات النخب؛ فالدراسات التاريخية البارزة التي تتناول تاريخ إيران الحديث والمعاصر عادة ما تعالج المسائل

الاقتصادية بوصفها متغيرًا تابعًا، وليس مستقلًا، كما أنّ الكتابات السائدة لا تتناول سوى الحوادث الاقتصادية الكبرى، عوضًا عن التعمق في مسائل تقنية تخصّ علاقة متغيرات اقتصادها بعضها ببعض بصفة مترابطة.

ويُعدّ كتاب "البازار والدولة في إيران: سياسات سوق طهران" (Bazaar and State in Iran: The Politics of the Tehran Marketplace) الصادر عام ٢٠٠٧، للباحث أرنج كشفرزيان أحد المؤلفات الفارقة في مجال دراسة الاقتصاد السياسي الإيراني، من خلال تتبع شبكات علاقات تجار البازار بعضهم ببعض من جهة، وعلاقاتهم بجهاز الدولة الإيرانية قبل اندلاع الثورة وبعدها، وكيفية تأثر ديناميكيات التجارة في البازار بالتقلبات السياسية بعد الثورة سلبيًا، من جهة أخرى. أمّا الكتاب الآخر الفارق في مجال الكتابة عن الاقتصاد السياسي الإيراني، فهو "صراع إيران من أجل الاستقلال الاقتصادي: الإصلاح ومناوئوه ما بعد الثورة" (Iran's Struggle for Economic Independence: Reform and Counter-Reform in the Post-Revolutionary Era) لإيفا ليلى بيساران. ويتناول هذا الكتاب الصراع على صناعة لإيفا ليلى بيساران. ويتناول هذا الكتاب الصراع على صناعة القرار الاقتصادي في إيران، من خلال رصد التحولات المؤسسية الفارقة وعمليات إصلاح/ لبرلة الاقتصاد.

ويعدّ كتاب "بعد الخميني: إيران تحت حكم خلفائه"، الصادر عام ٢٠١٢ (After Khomeini: Iran Under His Successors) لباحث الاجتماع الإيراني سعيد أمير أرجمند، أحد الكتب المهمة الأخرى في هذا المجال. وهو وإن كان كتابًا يعتمد على التحليل السوسيولوجي لإيران بعد الثورة، ولا يختص حصرًا بالتأريخ الاقتصادي، إلّا أنّه يغطي كيفية تحكّم / تلاعب الأولجركيات بالاقتصاد الإيراني، والعوامل التي أدت إلى كرتلة المشهد الاقتصادي في إيران ما بعد الثورة.

وأخيرًا يأتي كتاب سوزان مَلوني "الاقتصاد السياسي لإيران بعد الثورة" (Iran's Political Economy since the Revolution) الصادر في آب/ أغسطس ٢٠١٥، محاولة لتأريخ شامل لاقتصاد إيران السياسي، منذ اندلاع الثورة حتى العقد الأول من القرن الحالي. تتناول مَلوني في هذا الكتاب الصراعات السياسية / الأيديولوجية بين النخب الإيرانية على خلفية الانحيازات الاقتصادية لمختلف الأطراف، بداية من المحافظين والإسلاميين اليساريين وصولًا إلى من تسميهم اليمين الجديد.

تعود أهمية الكتاب أيضًا إلى شخص مؤلفته، إذ كانت قريبة من عمليات صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية ذات الصلة بالملف الإيراني. تشغل مَلوني حاليًا منصب نائب مدير برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينجز، وهي زميل في مركز بروكينجز الخاص بسياسات الشرق الأوسط، حيث يتركز عملها على إيران وملف الطاقة في الخليج. عملت مَلوني سابقًا مستشارة لمسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الأميركية فيما يخصّ ملفات ترتبط بإيران. كما عملت ضمن فريق تخطيط السياسات التابع لوزير الخارجية الأميركي. وشغلت منصب مدير أحد البرامج التي تهدف إلى منع الانتشار النووي في المجلس الأميركي للسياسات الخارجية ( ٢٠٠٤ ). وأخيرًا، عملت مَلوني في شركة أكسون موبيل مستشارة لشؤون الشرق الأوسط.

ثانيًا: محتوى الكتاب

أهداف الكتاب:

ترى مَلوني أنّ التيار التحليلي السائد الذي يتناول إيران بالدرس، يركّز على التوجهات الأيديولوجية للفصيل السياسي المسيطر في تفسير سياساته الداخلية والخارجية. ويتم النظر إلى السياسة الإيرانية على أنها أيديولوجية، فصائلية وشخصية، وإلى الاقتصاد الإيراني بوصفه تابعًا لهذه العناصر المركزية. وأحد أسباب ذلك هو هامشية العنصر الاقتصادي في خطابات الزعماء والرؤساء الإيرانيين التي كانت دائمًا تقلل من أهمية الأعباء الاقتصادية التي تواجهها الجمهورية الإسلامية. ولذلك ساهمت هذه الخطابات البلاغية (وهي محض بروباغندا) في الإبقاء على فهم مغلوط وغير مكتمل لآليات العمل المؤسسية للجمهورية الإسلامية. والتركيز على العنصر الأيديولوجي

في التحليل لن يكشف سوى عن بُعد واحد من أبعاده المتعددة.

ولكن خلاف ذلك، ترى مَلوني أنه على الرغم من أنّ الثورة لم تكن مرتبطة بالاقتصاد، فإنها خلقت البيئة التي هيأت لتحويل الاقتصاد إلى نقطة مركزية للتنافس السياسي. ومن هنا كان الاقتصاد وليس الأيديولوجيا السبب الرئيس للانقسامات السياسية التي حدثت بعد الثورة. فالاقتصاد أيضًا هو ما دفع طهران إلى التخلي عن رؤيتها

نحو العالم، ومغازلة قوى إقليمية مجاورة لها (Autarkic) الانغلاقية .(Mercantilist diplomacy) بدبلوماسيتها المركنتالية تستهدف هذه الدراسة التركيز على أربعة جوانب شكّلت اقتصاد إيران السياسي بعد الثورة، وهي التالية:

أ - ميراث إيران الاقتصادي والسياسي قبل اندلاع الثورة

أي مراقب لإيران يرى أهمية دور الاقتصاد في ظهور الدولة ودينامياتها السياسية. فأي مرحلة من مراحل الفوضى السياسية التي شهدتها إيران، سبقتها فترة من المظالم والضغوط الاقتصادية، كما توضحه الأعمال التاريخية الراصدة لتاريخ إيران السابق لاندلاع الثورة. يمكن ملاحظة أهمية العنصر الاقتصادي عند دراسة الحوادث الكبرى في التاريخ الإيراني كثورة التبغ، والثورة الدستورية، وأزمة تأميم النفط.

لقد كانت المشكلات الاقتصادية نابعة في الكثير من الأحوال من الضغوط التضخمية التي سببتها السياسات النقدية غير المنضبطة.

ب- استمرار الصراعات الفصائلية وتشعب السلطة

ساهم ازدواج بنية السلطة (بين مؤسسات ثورية ومدنية) في التأثير بصفة حاسمة في المشهد الاقتصادي. تصف مَلوني ذلك النظام الذي نتج عن الثورة ك "وحش متعدد الأبعاد"، يتكوّن من مجموعة من اللاعبين والمصالح المتشعبة. فطبيعة سيادة إيران المزدوجة ومشهدها السياسي المتشعب دفع إلى التنافس على جهاز الدولة، وإضافة المزيد من الحواجز التي تحدّ من وجود شفافية مالية وقانونية، فضلًا عن توسع الخلافات بين الأطراف في السياسة الاقتصادية المنتهجة.

ج- سيطرة الدولة على عوائد تصدير النفط

عزز النفط من بقاء الجمهورية الإسلامية، حتى وإن جعلها أكثر هشاشة وعرضة لتقلبات الأسواق العالمية، ومحاولات خصومها لتقويضها. وللمفارقة، فعلى الرغم من ازدراء خطابات الثوريين لأسواق النفط والرأسمالية، فإنّ إيران أصبحت أكثر اعتمادًا على عائدات النفط بعد اندلاع الثورة مقارنة بالفترة الملكية التي سبقتها.

كما مكّنت عائدات النفط النظام من الاستحواذ على قاعدة دعم شعبية قوية، بفضل سياساته الاقتصادية التوزيعية، واستخدام النفط لتوسيع نفوذه في الإقليم ومناطق أخرى خارجه.

د- علاقة إيران المشوهة مع العالم

ترى مَلوني أنّ الشك في القوى الدولية وقوى الاقتصاد العالمي لطالما كانت إحدى السمات المميزة للتاريخ الإيراني، ومع ذلك، لم تنجح الجمهورية الإسلامية في تحقيق حالة من الانعزال الكامل. وفي المقابل حتى لو كانت الجمهورية الإسلامية قادرة على ذلك، فإنّ العالم لم يكن مستعدًا لفك ارتباطه بإيران. ومع ذلك، استمرت رؤية إيران بعد الثورة المنقسمة تجاه العالم في المزج والتوفيق بين الغضب تجاه السياسة الدولية، وهو الذي عكسته خطابات المسؤولين، والشعور بحتمية الانخراط، بحيث نتجت عن ذلك مجموعة من الاتجاهات المتناقضة في سياسة إيران الخارجية وسياساتها الاقتصادية.

أقسام الكتاب

قسّمت المؤلفة الكتاب إلى عشرة فصول على النحو التالي: المقدمة؛ المقدمة: الاقتصاد السياسي لإيران قبل الثورة؛ (اقتصاديات الثورة 1977- 1980)؛ ثمن الدفاع المقدس ( ١٩٨٠ – 1989)؛ جهاد إعادة البناء(1989- 1977)؛ آية الله غورباتشوف: الإصلاح على حواف الخطوط الحمراء؛ الشعبوية، النسخة الثانية: عهد أحمدي نجاد (2005- 2013)؛ ملف الطاقة والجمهورية الإسلامية؛ العقوبات والدولة المقدسة؛ الخاتمة.

1- "ثمن الدفاع المقدس 1980-1989

ترى مَلوني أنه على الرغم من الخسائر التي تكبدتها إيران جراء الحرب مع العراق، فإنّ الاقتصاد الإيراني كان قادرًا على التعافي نسبيٍّا مقارنة بالأداء الذي شُهد بعد الثورة. في عام ١٩٨٢ ، صرح الرئيس الإيراني على خامنئي أنّ "البلاد في وضع اقتصادي جيّد جدٍّا". ففي هذه الفترة، استطاعت إيران الوفاء بمعظم ديونها التي راكمتها في العصر البهلوي. وعلى الرغم من ازدياد التدخل الحكومي والقيود المفروضة، فإنّ التجار والمستوردين قد استطاعوا الاستمرار في نشاطاتهم. وخلال السنوات الثلاث الأولى بعد تأسيس النظام الجديد، ارتفعت حصة

واردات القطاع الخاص من ٤٩ في المئة إلى ٦٤ في المئة. ويعود ذلك إلى الدور الذي قام به وزير التجارة حبيب الله عسگر اولادي في دمج التجار والمستوردين في شبكات التوزيع الدولتية. ومع ذلك، استمرت الصعوبات التي حالت دون القدرة على استيراد العديد من السلع الضرورية.

بررت الحرب توجّه إيران نحو سياسة نقدية أكثر توسعية وخاصة بعد التأميم، والدمج، والاستحواذ على البنوك الخاصة، وهو الأمر الذي أدى إلى تقويض الثقة في هذا القطاع؛ فمن جهة، وفّر البنك المركزي السيولة اللازمة لاستمرار بقاء الجهاز المصرفي، ولكن نتيجة لتراجع عائدات النفط، اضطرت الحكومة إلى الاقتراض من القطاع

المصرفي لتمويل عجز إنفاقاها، من جهة أخرى. فقد دفعت الحرب الحكومة إلى الاستمرار في الاعتماد على تمويل عجز إنفاقها، وهو ما أدى إلى تفاقم مشكلة التضخم. ولكن نتيجة لعدم القدرة طهران على السيطرة على فاتورة الواردات، تراجعت احتياطاتها من النقد الأجنبي، ما دعا المسؤولين إلى دق ناقوس الخطر. ولمعالجة هذه

الأزمة أسست الحكومة ما سُمّي ب "مفوضية توزيع النقد الأجنبي" التي خولتها مهمات توزيع مصادر النقد المحدودة على القطاعات الحيوية التي لها أولويات قصوى في وقت الحرب. وبذلك تمت معظم السلع ومنع استيراد العديد من (Rationing) محاصصة السلع غير الضرورية. وفي النهاية سيطرت الدولة على قنوات التجارة الخارجية باستيراد أربعة أخماس السلع الضرورية. وبحلول عام ١٩٩٠ ، كان القطاع الخاص مسؤولًا عن استيراد ٣٧ في المئة فقط من الواردات الإيرانية.

خلال تلك الفترة، كانت أربعة موضوعات اقتصادية محلًا للجدل بين الفصائل السياسية: تأميم الأراضي وتوزيعها، ودور الدولة في التجارة الخارجية، وتنظيم سوق العمل، والسياسة الضريبية.

ب- "جهاد إعادة البناء ( ١٩٨٩ – 1977)

كان من شأن مرحلة إعادة البناء التي قادها الرئيس هاشمي رفسنجاني، بعد انتهاء الحرب مع العراق، أن تؤدّي دورًا كبيرًا في تطوير مستقبل إيران وتشكيله. فقد شهدت هذه الفترة صراعًا بين التيار الذي يقوده هاشمي رفسنجاني الذي يدعو إلى الإصلاح واللبرلة الاقتصادية، من جهة، والإسلاميين اليساريين المتمسكين برؤية دولتية للاقتصاد الذين رأوا في الرأسمالية خيانة لمُثل الثورة، من جهة أخرى.

كما زاد برنامج إعادة البناء من اغتراب جيل أصغر من الثوريين الذين رأوا في النظام الجديد أداة لتخريب الثورة، ووسيلة لإثراء طبقة من المسؤولين بجهاز الدولة الإيرانية. ولهذا تصف مَلوني مرحلة إعادة البناء بمرحلة تحوّل العقد الاجتماعي من مضمونه الثوري – الدفاعي إلى مضمون آخر يستهدف التنمية والتقدم.

خرج الاقتصاد الإيراني منهكًا من الخسائر التي تكبدها خلال الحرب، وبسبب العقوبات الغربية التي فرضت على طهران جرّاء استهداف النفط الخليجي. ففي النصف الأول من ١٩٨٨ ، تراجعت الصادرات الإيرانية بنسبة ٢٥ في المئة مقارنة بما كانت عليه، ما زاد من الصعوبات التي واجهها النظام في تأمين النقد الأجنبي اللازم لوارداته ومشروعات إعادة البناء. صرّح هاشمي رفسنجاني قبل توليه الرئاسة في ١٩٨٩ ، بأنّ منشآت التصنيع الإيرانية تعمل ب ٤٠ في المئة من طاقتها، من دون تقليص في المقابل من حجم التكاليف. عكست الحرب تدهور الوضع المعيش للمواطن الإيراني، بحيث تراجع الناتج القومي للفرد بنسبة ٤٥ في المئة، وقاربت نسبة التضخم ٢٩ في المئة.

خلال هذه الفترة، ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة ٦٠٠ في المئة، وارتفعت الرواتب والأجور بنسبة ١٢٠ في المئة.

قدّمت وزارة الرئيس رفسنجاني المقترح الأول للخطة الخمسية التنموية الأولى، بعد ثلاثة أشهر من وقف إطلاق النار. وركّزت الخطة الخمسية الأولى على التنمية الصناعية، وتقليص دور الحكومة في الاقتصاد، وتعزيز الجهاز الضريبي، وفتح الاقتصاد أمام الاستثمار ورأس المال الأجنبي. كما استُهدف تقليص عجز الموازنة من ٥٠ في المئة تقريبًا إلى ٤٫٢ في المئة. أمّا على المستوى الاجتماعي والعمراني، فقد استهدفت الخطة بناء ٢٫٥ مليون وحدة سكنية، وتعبيد مئات الكيلومترات من الطرق ومد السكك الحديدية. وفي هذا السياق، بدأت خلال عامي ١٩٩٠ و ١٩٩١ ، عمليات الخصخصة ببيع أربعمئة شركة حكومية من مجموع ثلاثة آلاف شركة. ولكن بعد وقف خطط الخصخصة بسبب اتهامات فساد (وهو أمر لا تذكره مَلوني). استؤنفت عملية الخصخصة من جديد بين عامي ١٩٩٥ و ١٩٩٧ تشير مَلوني إلى أنّ برنامج لبرلة الاقتصاد تمّ تنفيذه بصفة مستقلة عن أي مؤسسة اقتصادية دولية كالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي. إذ أنّ صناع القرار الإيرانيين كانوا يعرفون جيدًا أنّ ارتباط البرنامج بأيٍّ من مؤسسات المجتمع الدولي كان سيدفع بانتقادات حادة من المنافسين الداخليين. وفي المقابل، ظلّ الإسلاميون اليساريون المسيطرون على البرلمان عائقًا في طريق خطط حكومة رفسنجاني لإعادة هيكلة الاقتصاد. فقد مثّل قانون ١٩٩٠ العمالي – تمسك به اليسار الإسلامي – حاجزًا أمام إيجاد سوق عمل أكثر مرونة، وفقًا لمَلوني. ذلك أنّ هذا القانون قد زاد من الأعباء المالية على المؤسسات، وقوّض الكثير من جهد الخصخصة. وفي عام ١٩٩٣ ، حاولت الحكومة تعديل القانون، ولكنها فشلت في مسعاها.

ج – آية الله غورباتشوف:

الإصلاح على حواف الخطوط الحمراء (١٩٩٧- 2005)

خلافًا لرفسنجاني، لم يكن الملف الاقتصادي الهدف الأساسي للرئيس محمد خاتمي. فقد ركّز برنامج خاتمي على اللبرلة الثقافية – الاجتماعية، إلّا أنه فور توليه الرئاسة وجد نفسه مجبرًا على التعامل مع إشكالات اقتصادية ملحّة. لذلك رأى الإصلاحيون أنّ عدم نجاح الرئيس هاشمي رفسنجاني يعود إلى تركيزه على الملفات الاقتصادية، وتجاهله ملف إصلاح المؤسسات السياسية. وعلى الرغم من أنّ فريق خاتمي (الذي كان يومًا وزيرًا للثقافة في وزارة رفسنجاني الأولى) تألّف من عدد كبير من رفاق رفسنجاني، فإنّ إدارة خاتمي اختلفت مع رؤية

الرئيس الأسبق. أمّا الإصلاحيون، فقد رأوا أنّ تعزيز المجتمع المدني وحكم القانون سينعكس إيجابيًا على الأداء الاقتصادي. بعد أن تولّى خاتمي الرئاسة بفترة قصيرة، واجهت إيران أزمة اقتصادية بسبب تراجع سعر برميل النفط في آخر عام ١٩٩٨ بوصوله إلى ١٠ دولارات، وهو أدنى سعر وصل إليه برميل النفط خلال ربع قرن آنذاك. وفي المقابل، تراجعت عائدات طهران النفطية من ١٩ مليار دولار في ١٩٨٦ ، إلى ١٠ مليارات دولار في ١٩٩٨ . أُقرّت ميزانية خاتمي الأولى على أساس سعر ١٧٫٥٠ دولارًا للبرميل. في ذلك الوقت، كانت أزمة ديون عام ١٩٩٣ تخيّم على المشهد، إذ كانت الإدارة الجديدة تسعى إلى رد ٥٫٩ مليارات دولار إلى دائنيها الأوروبيين، بعد أن قامت الإدارة السابقة بإعادة جدولتها في ١٩٩٣ . وتركّزت الحلول التي اقترحها خاتمي لحل المشكلات التي يواجهها الاقتصاد على الإصلاح المؤسسي، وخلق وظائف جديدة، وتعزيز الإنتاجية، وتحسين قوانين تنظيم الاستثمار الأجنبي، وإصلاح الجهاز الضريبي، وتنمية الصادرات غير النفطية. وتشير مَلوني إلى أنّ المزيد من الخصخصة وجذب الاستثمارات الأجنبية كان الحل الوحيد، إذا كان خاتمي يرغب في تحقيق توقعات المواطنين الإيرانيين في ذلك الحين.

قدمت إدارة الرئيس خاتمي خطتها الخمسية التنموية الثالثة إلى البرلمان (السادس) الذي سيطرت عليه أغلبية محافظة. وعلى الرغم من عدم وجود جدل كبير حول التصور الذي قدمته إدارة خاتمي، فإنّ البرلمان حذف أجزاء مهمة تخص إخضاع "البنيادات" (المؤسسات الخيرية) ومؤسسات ثورية إلى الضرائب التي كانت معفاة منها، وتقليص الدعم المقدم إلى المواطنين. وعلى الرغم من عدم تحقيق أهداف الخطة كلّها، فإنّ حكومتي خاتمي حققتا العديد من الإنجازات الاقتصادية التي شملت تعديل قوانين التجارة والاستثمار، وتوحيد سعر الصرف، وخفض التضخم، والوفاء بجزء كبير من ديونها (OSF الخارجية، وتأسيس صندوق سيادي (صندوق تثبيت النفط

لمواجهة تقلبات أسعار النفط.

د- الشعبوية، النسخة الثانية: عهد أحمدي نجاد (٢٠١٣ - ٢٠٠٥)

أحدثت الانتخابات الرئاسية ٢٠٠٥ ، تحولًا دراميًا في مسارات السياسة الخارجية والاقتصادية الإيرانية بفوز محمود أحمدي نجاد. فبعد التحسن الاقتصادي النسبي الذي شهدته إيران في عهد خاتمي، عادت المشكلات الاقتصادية لتسوء أكثر بارتفاع نسب التضخم، والبطالة، والفساد، وسوء الإدارة، مع أنّ عائدات النفط التي حققتها إيران خلال تلك الفترة كانت مرتفعة. ولكن، كان شعار حملته الانتخابية – وفقًا لمَلوني – الذي وعد بإحضار عائدات النفط إلى طاولة كل مواطن إيراني، يعكس إلى أي حدّ أصبحت شرعية النظام الثيوقراطي معتمدة على تحسين الوضع المعيشي للمجتمع الإيراني.

ترى مَلوني أنّ الرئيس أحمدي نجاد استطاع بذكاء استغلال الثيمات الثورية التي تركّز على مضامين العدالة الاجتماعية ونقد تركّز رأس المال في يد النخبة، للدعوة إلى إعادة توزيع ثروة الأمّة لدعم "المعدمين" (تضع مَلوني كلمة المعدمين بين علامتي اقتباس). كان لخطاب أحمدي نجاد صدى قوي في أوساط التيارات المحافظة

والمجتهدين المتشددين. ففي عام ٢٠٠٨ ، قال أحمدي نجاد: "على النظريات الاقتصادية أن ترتكز على العدل، ومحو الحرمان والنقص، وتشجيع مواهب مواطنينا، وتحقيق التقدم الشامل لعزيزتنا إيران".

اتسمت فترة رئاسة أحمدي نجاد بسياسة مالية توسعية، من علاماتها تضاعف حجم السيولة النقدية سبع مرات بحلول عام ٢٠١٣ مقارنة بفترة رئاسته الأولى. كانت هذه السياسة التوسعية مدفوعة بالبترودولارات المتدفقة إلى خزانة الدولة. ففي الفترة الأولى فقط من رئاسته، استطاعت طهران تحقيق أكثر من ٧٠٠ مليار دولار من العائدات النفطية. ونتيجة لسياسات حكومة أحمدي نجاد النقدية والمالية غير المنضبطة، استقال العديد من المسؤولين احتجاجًا على السياسات المتبعة آنذاك فيما يخص الإنفاق وأسعار الفائدة.

توسعت خطط الخصخصة في عهد أحمدي نجاد بدعم من المرشد الأعلى. ذلك أنّه في يوليو / تموز ٢٠٠٦ ، أصدر المرشد تفويضًا يقضي بخصخصة ٨٠ في المئة من الشركات الحكومية. كان الهدف خصخصة جميع الشركات القابلة للخصخصة وفقًا للقيود الدستورية بنهاية الخطة الخمسية التنموية الرابعة. ولكنّ خططًا أخرى لأحمدي نجاد أعاقت مسار الخصخصة جزئيًا، كمبادرته بإنشاء نظام من من خلال دمج (Interest-free) الخدمات المصرفية غير الربوية عدد من البنوك. على صعيد آخر، شهدت عمليات الخصخصة خلال تلك الفترة صفقات غير نزيهة (في ظل غياب مناخ تنافسي)، انتهت باستحواذ أطراف دولتية وشبه دولتية (تابعة للحرس الثوري الإيراني وقوى أخرى) على العديد من الشركات الحكومية. يأتي ذلك في سياق المساحات الاقتصادية الكبيرة التي أتاحها للحرس الثوري ولاعبين مرتبطين به، على حساب القطاع الخاص الحقيقي الذي جرى تهميشه.

بالتوازي، وفي إطار سياساته التي تُوصف بالشعبوية، طرح أحمدي نجاد برنامجَ أسهمِ العدالة الذي كان يهدف منه إلى توزيع عائدات إيران النفطية على المواطنين. فلقد تمّ توزيع الملايين من أسهم الشركات الحكومية على العائلات ذات الدخل المنخفض، والعائلات التي لديها تاريخ ثوري ونضالي. وبحلول منتصف عام ٢٠١٠ ، صرّح وزير الاقتصاد الإيراني بتوزيع الحكومة أسهمًا على ٤٩ مليون إيراني. فيما تلقى ١٦ مليون إيراني في المناطق الريفية أسهمًا من أسهم العدالة من مجموع ٢٢ مليون مواطن يعيشون في المناطق غير الحضرية.

شابت فترة رئاسة أحمدي نجاد حالة من تراجع الشفافية، بسبب سحب إدارته، بصفة متكررة، مبالغ مالية ضخمة من صندوق تثبيت النفط (تمّت إعادة تسميته الصندوق الوطني للتنمية في ٢٠١١) لتمويل إنفاقاتها بما يخالف القانون. فوفقًا لتقديرات، سحبت إدارة أحمدي نجاد على الأقل ١٥٠ مليار دولار من الصندوق بين عامي ٢٠٠٦ و ٢٠١١ ، وكان من المفترض إيداع ٣٦ مليار دولار، ولكنّ هذا المبلغ لم يظهر في بيانات التقارير الحكومية. وهناك حالات أخرى سحبت فيها إدارة أحمدي نجاد مبالغ مالية من الصندوق، ظلّت تطرح في شأنها العديد من التساؤلات.

ه- "بين النفط والعقوبات"

خلافًا لبقية فصول الكتاب السابقة التي تسعى لدراسة أهم الحوادث الاقتصادية المؤثرة في تاريخ إيران، بعد الثورة خلال كل فترة من فترات رؤساء إيران السابقين، خصصت سوزان مَلوني الفصل الثامن "الجمهورية الإسلامية وملف الطاقة" لتناول ملف قطاع النفط (والغاز) قبل اندلاع الثورة الإسلامية وحتى عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. يشتمل الفصل على الجدل حول قوانين الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط وعوائقه، والتنافس بين شركات النفط الأجنبية، وسياسات التصدير وخططه، وأزمة ارتفاع الاستهلاك الداخلي للغاز والمشتقات النفطية. تقول مَلوني في بداية هذا الفصل لجميع (Ground Zero) إنّ قطاع النفط لطالما كان أرض الصفر معضلات الدولة الثورية. كما أنّ قطاع النفط كان منبع الحراك الوطني الحديث في إيران، ويظلّ المصدر الرئيس لنقدها الأجنبي، وممرها للوصول إلى ساحة الاقتصاد العالمي والبروز. وفي مواجهات إيران الإقليمية، ظل النفط وسيلة لتعزيز النفوذ، ولكنه كان مصدر ضعف أيضًا تجاه خصومها.

على غرار الفصل الثامن، وفي سياق الجدل حول سياسات طهران النفطية، تخصص مَلوني الفصل التاسع "العقوبات والدولة المقدسة"، ترصد فيه وتدرس تطوّر نظام العقوبات الاقتصادية، منذ اندلاع الثورة الإسلامية وبروز أزمة رهائن السفارة الأميركية وحتى نهاية عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد؛ وتنهي الفصل بأهم

التحديات التي قد تواجهها طهران مستقبلًا.

و- "الخاتمة"

تختم سوزان مَلوني الكتاب بتنبؤات عن أداء حكومة الرئيس حسن روحاني ومستقبل الجمهورية الإسلامية. على وفق ما ترى مَلوني، إذا كانت حكومة التدبير والأمل (حكومة الرئيس روحاني) تروم تحقيق توقعات المواطنين، فإنّه على التوجه البراغماتي الذي تحتضنه الجمهورية الإسلامية أن يتغلب على مؤسساتها السلطوية المحافظة.

ولكن ليس هناك في تاريخ إيران ما بعد الثورة ما يعطي أملًا في استمرار هذا الاعتدال. فمحاولات الرؤساء السابقين دفع النظام نحو الاعتدال، أقصاها المعارضون المتشددون ونزاعات النخبة. ولكن، خلافًا للوضع في الماضي لم تعد هناك خلافات جذرية / راديكالية بين الفصائل الإيرانية على السياسة الاقتصادية. فبسبب سوء إدارة الرئيس السابق أحمدي نجاد، بات هناك اتفاق بين جميع النخب الإيرانية تقريبًا على الإطار العام للنظام الاقتصادي الذي يشتمل على دعم جهد الخصخصة وعملية الاندماج في شبكة الاقتصاد الدولي.

صحيح لم تعد هناك خلافات جذرية حول شكل النظام الاقتصادي والإدارة الاقتصادية، ولكنّ القوى الإيرانية ما تزال تتصارع على توزيع المكاسب النفطية.

ثالثًا: قراءة اختزالية للاقتصاد؟

يفتقد كتاب مَلوني إلى إطار / مدخل نظري في الاقتصاد السياسي، تتناول من خلاله الباحثة بطريقة منهجية عملية صنع القرار الاقتصادي وآليات العمل المؤسسي داخل جهاز الدولة الإيرانية. وبذلك، فالكتاب لا يقدّم جديدًا على المستوى الكيفي / النظري بقدر ما يقدّم إضافة على المستوى الكمي / المعلوماتي من حيث ربط الحوادث السياسية بسياقاتها الاقتصادية خلال العقود السابقة إلى عقدنا الجاري. على غرار التيار العام من المؤلفات التي تتناول تاريخ إيران السياسي، تنتهج مَلوني نفس الأسلوب السردي في رصد الحوادث الاقتصادية الكبرى، من دون دراسة حالة القطاعات الاقتصادية في الداخل الإيراني على حدة. كما أنّ عدم معرفة المؤلفة اللغة الفارسية، واعتمادها أساسًا على مؤلفات وبحوث لمؤرخين واقتصاديين إيرانيين مكتوبة بالإنكليزية، قيّدها بمجموعة محدودة من المصادر. ذلك أنّه لا يمكن الولوج إلى مصادر تتناول وضع قطاعات الإنتاج المختلفة في سياق شبكة تحالفات وعداءات الأولجركيات الاقتصادية المرتبطة بجهاز الدولة، إلّا من خلال معرفة اللغة. صحيح أنّ المعلومات المتاحة التي يمكن أن تكشف بصفة مباشرة عن شبكة التحالفات الأولجركية ليست كثيرة، ولكنّ منشورات بعض المؤسسات الاقتصادية الإيرانية والصحف أساسًا تتيح للباحثين تتبع قوة هذه الشبكات من خلال مؤشرات قطاعات الإنتاج، وأسواق المال، والمصارف، وتقييمات المراقبين الاقتصاديين.

يعيب أسلوب المؤلفة استخدام ألفاظ وتعابير غير ملائمة للكتابة العلمية في الحديث عن بعض الشخصيات، كالرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، بأسلوب قد يفقد الكتاب الكثير من رصيده في نظر بعض القراء. لا شك في أنّ للباحثين انحيازاتهم الأيديولوجية التي من المحتم أن تظهر بدرجة ما في كتاباتهم، إلّا أنّ بعض الألفاظ

والتعابير قد توحي للقارئ أنّ المسألة شخصية أكثر منها أيديولوجية بين الباحث / الكاتب والشخصيات التي يدرس تاريخها ضمن موضوع بحثه.

*مجلة سياسات عربية 

** باحث مصري مختص في الشؤون الإيرانية

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح الخاصة بك. باستخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. سياسة الخصوصية
موافق